تعدد الزوجات في المجتمع المصري القديم -الجزء الأول - بقلم الآثاري عزمي سلامة

👩👩👩  تعدد الزوجات بين أفراد الشعب المصري - الجزء الأول

إن فكرة تعدد الزوجات في مصر القديمة من الأمور التي أثارت جدلاً واسعاً قديماً وحديثا، واختلف حولها المؤرخون والعلماء والباحثون. فهل كان المجتمع المصري القديم يقبل فكرة تعدد الزوجات، أم أنه كان يميل إلي الاكتفاء بزوجة واحدة فقط؟ 

وكما هو معروف أن الملوك في مصر القديمة قد اتخذوا أكثر من زوجة أهمهم الزوجة الملكية الرئيسة ذات الدم الملكي والتي كانت تجلس على العرش بجوار الملك، وقد كان هناك زوجات ثانويات ربما اتخذهن الملك لأسباب سياسية أو لغيرها من الأسباب.

فهل كان عامة الشعب على دين ملوكهم واقتفوا آثرهم في تعدد الزوجات أم أنهم مالوا إلى عدم التعدد واكتفوا بزوجة واحدة؟ 

هذا هو السؤال الذي سوف نجيب عليه من خلال هذه المقالة في ضوء ما عُثر عليه من مناظر ونقوش بمقابر الأفراد في مصر القديمة ... فهيا بنا نستكشف معاً هذا السر 👌

الحكمة من تعدد الزوجات 

قبل أن نخوض في موضوع تعدد الزوجات يجب علينا أن نعرف ما الحكمة من التعدد، وترى دكتورة تحفة حندوسة أن حكمة تعدد الزوجات قد تكمن في عدة أمور منها:

1- عدد النساء قد يتجاوز عدد الرجال فإذا لم يبح للرجل إلا واحدة بقي عدد بلا عائل ولا زوج.
2- الغرض الأول من الزواج هو التكاثر والتوالد ويتحقق ذلك بالتعدد.
3- الزوج قد يجد زوجته عقيماً ولا يرضى أن يفارقها لعقمها فيتزوج بأخرى كي لا يحرم نفسه من الذرية والأبناء. 4- يستخدم الرجل زوجاته في الأعمال المنزلية وغير المنزلية بلا أجر. 

ويربط دكتور نجيب قنواتي بين الثراء المادي للرجل وبين تعدد الزوجات.

تعدد الزوجات في الشرائع السماوية 

كان تعدد الزوجات مباحاً في الشرائع السماوية والكتب المقدسة ومن الممكن استعراض ذلك بإيجاز شديد هنا حيث أن المجتمع المصري القديم يشترك في بعض الصفات مع المجتمعات التي أُنزلت عليها هذه الكتب المقدسة:

تحدث الكتاب المقدس عن النبي سليمان قائلاً: "وكانت له سبعمائة من النساء وثلاثمائة من السراري" (الكتاب المقدس، سفر ملوك واحد 3:11)، كما ذكر الكتاب المقدس أن داود عليه السلام قد اتخذ العديد من الزوجات والسراري (الكتاب المقدس، صموائيل الثاني 5:12-13)، وقد تزوج النبي إبراهيم ثلاث زوجات وهن سارة وهاجر وقطورة، والعديد من السراري (الكتاب المقدس، سفر التكوين 20:12، 15:16، 1:25، 6) أما النبي يعقوب فقد تزوج من أربعة زوجات وهن ليئة، راحيل، زلفة، وبلهة. وغيرها الكثير من الأمثلة التي ذكرها الكتاب المقدس.

 وقد أباح الإسلام التعدد وحدد أربعة زوجات كحد أقصى للزوج قال تعالى: " وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ىذلك أدنى ألا تعولوا" (القرأن الكريم، سورة النساء، الأية 3).

تعدد الزوجات بين المؤرخين والعلماء

اختلف المؤرخون فيما بينهم حول فكرة تعدد الزوجات عند المصري القديم:
ذكر هيرودوت أن المصري القديم كان يعيش في ظل نظام الزوجة الواحدة. بينما ذكر ديودور أن رجال الدين فقط هم الذين ساروا على نظام الزوجة الواحدة أما بقية الشعب فكانوا يمارسون تعدد الزوجات.

أما فيما يخص رأي علماء الآثارفي العصر الحديث: 
فهم بين مؤيد ومعارض حيث يرى كل من لبيب باهوروتحفة حندوسة وFischer أن التعدد لم يكن أمرا معروفاً عند قدماء المصريين بخلاف بعض ملوكهم، إلا أنه كان للرجل الموسر الحق في أن يضم إلي منزله كثيرا من المغنيات والجواري، وأن الزواج من امرأة واحدة كان هو الأمر المتبع في مصر القديمة على الرغم من وجود بعض الحالات القليلة التي تشير إلى التعدد، الذي بدأ في الانتشار في أواخر الدولة القديمة وفي الأسرة السادسة على وجه الخصوص.

بينما ترى أمال مهران أن هناك أدلة على التعدد بين الطبقات العليا، ممثلة في التماثيل وتقوش المقاب، بينما لا يوجد ما يؤكد وجود حالات لتعدد الزوجات بين الطبقات الفقيرة وذلك نظرا لعدم وجود أدلة أثرية ونصية يمكن الاعتماد عليها في نفي أو حدوث تعدد الزوجات بينهم.

وقد قام نجيب قنواتي بعمل دراسة حول تعدد الزوجات في عصر الدولة القديمة، وقام بحصرعدد ستة عشر مقبرة من جبانات الدولة القديمة المتعددة ذكر احتمال وجود تعدد للزوجات بهذه المقابر، ويستنتج  قنواتي من بحثه أن حالات تعدد للزوجات قليلة جدا إذا ما قُورنت بعدد مقابر الدولة القديمة.

كما قام Simpson بعمل دراسة على تعدد الزوجات في عصر الدولة الوسطى، وقام بحصر عدد ثلاثة عشر حالة يحتمل فيها تعدد الزوجات، وقد خرج بنتيجة أن تعدد الزوجات في عصر الدولة الوسطى كان على نطاق ضيق وأن القاعدة هي الزواج من امرأة واحدة.

هل تزوج المصري أكثر من زوجة  في اّنٍ واحد؟

تتسأل كل من كريستيان نوبلكور وتحفة حندوسة ما إذا كان المصري يستطيع أن يتزوج من سيدتين في اّن واحد، وترى نوبلكور أنه في أغلب الأحيان يكون الجواب "لا"، إلا أنها تعود وتذكر أن أوضاع المرأة قد تقلصت وتضاءلت خلال الحقبة التى سادت فيها الفوضى، في الفترة بين عصر الدولتين القديمة والوسطى، وأن اضمحلال الأحوال القضائية والقانونية قد نالت من ظاهرة الزوجة الأحادية الذي كان سائدا من قبل، وأن الأمر لم يعد قاصرا على الملك أو الأمراء إلا أن الأفراد الأقل رفعة وأهمية أصبحوا يتخذون أكثر من زوجة في نفس الوقت أم أن احداهن أعقبت الأخرى بعد طلاق الأولى أو موتها. ويختلف معها تماماً الباحث عزمي سلامة حيث لا يوجد أي دليل على صحة هذا الإفتراض من تدني أو اضمحلال دور المرأة في تاريخ مصر القديمة.

الحد الأقصى لعدد الزوجات في مصر القديمة

لا نعرف قانوناً يضع حداً أقصى لعدد الزوجات يمكن للرجل الجمع بينهن في عصر الدولة القديمة، بينما وجد الباحث عزمي سلامة - بعد عمل دراسة على عدد 350 مقبرة بجبانة سقارة - أن أقصى عدد للزوجات معروف لدينا - حتى الأن - في جبانة سقارة هو خمسة زوجات، ويوضح ذلك ما ورد من مناظر ونقوش في مقبرة "إي مري" طبيب الأسنان ثم أربعة زوجات كما في مقبرة "مر اف نب اف" الوزير ورئيس العدالة.

أما العدد الأكبر من الزوجات في عصر الدولة القديمة والمعروف لدينا حتى الأن  فقد عُثر عليه في مقبرة
"مري عا" السمير الوحيد والكاهن المرتل والأمير الوراثي والتي اختلف الباحثون في تأريخها في الفترة من الأسرات (6-8) وأرخها البعض بعصر الانتقال الأول وتقع مقبرته بالهجارسة حيث صُور وبصحبته ستة زوجات.

وسوف نستعرض بعض الأمثلة من حالات تعدد الزوجات، والنسبة المئوية لحالات تعدد الزوجات في مصر القدية - بجبانة سقارة على سبيل المثال - في المقالة القادمة إن شاء الله 👪

الآثاري عزمي سلامة